في صفحات الذاكرة الرياضية، تتألق أسماء قد لا تعلو صيحاتها، لكنها تظل تلامس مشاعر عشاق الرياضة بوفاء لا يزول، ومن بين هذه الأسماء يأتي صابر عيد، الذي لم يكن مجرد أحد أعمدة فريق غزل المحلة، بل كان فارسًا من فرسان الكرة المصرية الذين صنعوا أمجادها بجهودهم وإصرارهم، تاركين بصماتهم في الملاعب وبين الجماهير.
اليوم، يواجه صابر عيد أيامًا صعبة تحت وطأة المرض، ما زال يحتفظ بصمته الذي يعكس مسيرته، لم يتحدث يومًا مطالبًا بالتكريم أو تسليط الأضواء، بل كان تاريخ مسيرته ينطق بكل شيء عنه، يجد في كل صوت وفاء من جماهير المحلة عزاءً، تلك المدينة التي تبادله الحب رغم غياب بريق الشهرة عنه.
وفي الحقيقة، إذا كانت ذاكرة الكرة المصرية تحمل مكانًا للوفاء، فإن صابر عيد يجب أن يكون حاضرًا فيها، وإذا كانت الأخلاق ركيزة للرياضة، فإن الوقوف إلى جانبه اليوم هو أقل واجب تجاه رمزٍ لم يكتفِ برسم تاريخه، بل حمل معه أخلاقيات وقيم اللعبة.
عند ذكر اسم صابر عيد، لا نستدعي فقط صورة المدافع الشجاع الذي أبدع بقميص “زعيم الفلاحين”، بل أيضًا زمنًا كانت فيه الكرة المصرية أكثر صدقًا، ولاعبيها أكثر انتماءً، فقد كان أحد أعمدة الجيل الذهبي لنادي غزل المحلة والذي أقترنت به ملامح العطاء والتفاني، هذا الجيل الذي رسم أمجادًا لا يتلاشى أثرها.
في وقتٍ كانت فيه قلوب المتابعين تتجه نحو الأحمر والأبيض، اختار صابر عيد أن يسلك طريقًا استثنائيًا، لم يبحث عن الأضواء عبر الأندية الكبرى، بل صنع اسمه من داخل الملاعب الشعبية بتفانٍ وإنكار للذات، حمل قميص المحلة بكل فخر كما يحمل الجندي علم وطنه، وكان تألقه محليًا ودوليًا حين شارك مع المنتخب الوطني في كأس العالم 1990، اللحظة التي خُلّد فيها اسمه بحروف من ذهب في تاريخ الرياضة المصرية.
وعندما اختتم صابر عيد مسيرته كلاعب، لم يختتم معها حبه للرياضة أو انتماءه، فقد عاد كمدرب ومعلم للأجيال الجديدة، واستمرت خطاه في الملاعب، متنقلًا بين تدريب الفرق السعودية والعودة مجددًا إلى بيته غزل المحلة، ليواصل دوره أبًا ومدربًا يحتضن المواهب ويزرع فيها روح التفاني.
ورغم كل شيء، فالزمن أخذ منه الكثير، وأصبح المرض ضيفًا ثقيلاً على فارس قدم كل ما يملك للمستطيل الأخضر، لكنه اليوم في حاجة إلى أن تُمد له يد العرفان، صابر عيد لا يلتفت للمطالبة، لكنه جدير بالوفاء، فهو يستحق أن يتذكره وطن كرمه بإسعاده يومًا، ويستحق أن ينال دعماً من منظومة لطالما خدمها بشرف وإخلاص.